
شهدت بدايات القرن العشرين ثورة في إنتاج المبيدات الكيماوية وذلك لما تقدمه من
فوائد جمة ، فهي تقضي على الآفات التي تهاجم المزروعات ، كما تقضي على كل
الحشرات الضارة بالإنسان . ولكن مع كثرة الاستخدام تراجعت فعالية بعض هذه
المبيدات بشكل كبير حتى أصبحت بلا فائدة تذكر ، وذلك لقدرة الحشرات والآفات
الزراعية على إنتاج أجيال قادرة على التغلب على سمية كثير من المبيدات .
ما هو المبيد ولماذا يستعمل ؟ وما أضراره المحتملة على البيئة والصحة ؟
هو مركب كيماوي يكون في الغالب عضويا ، له درجة عالية من السمية بحيث يعمل
على إحداث ضرر كبير في الوظائف الحيوية للآفة المستهدفة ، فيؤدي إلى القضاء عليها.
وتستخدم المبيدات لمحاربة آفات المزروعات والأشجار، وكذلك للتخلص من الحشرات
المنزلية والحقلية الضارة . ويكون المبيد في الغالب سائلا ويتم رشه أو سقي النبات به ،
وهذا لا يمنع أن يتم توزيع بعض المبيدات الصلبة التي يتم تذويبها بالماء لاستعمالها .
ويجب استعمال هذه المبيدات حسب الإرشادات والمقادير المنصوص عليها من قبل
الجهات المختصة ، وعدم الإفراط في استعمالها ، لأن ذلك قد يسب ظهور بعض
الأعراض الجانبية ، التي تؤدي إلى إحداث ضرر بالغ بالمزروعات والبيئة المحيطة .
ومن هذه الاعراض:
* عند الإفراط في استعمال مبيد ما فإن ذلك يؤدي إلى ظهور أجيال من الآفات الزراعية
تكون أكثر مقاومة له ، وهذا يقلل فاعلية المبيد وقد يصبح بلا أي تأثير يذكر .
* تغيير بعض الصفات الجينية لبعض الآفات مما قد يجعل تأثيرها أكثر خطورة على
النباتات والبيئة .
* تلويث المياه السطحية والجوفية بالكميات الفائضة من المبيدات ، والتي تتسرب إلى
التربة ومن ثم إلى مصادر المياه القريبة .
* القضاء على بعض الميكروبات المفيدة للتربة والنبات مما يدمر خصوبة التربة ويقلل
من قدرتها على تحليل المواد المغذية للنبات .
* انخفاض القدرة التنافسية للمنتوجات الزراعية للدولة في الأسواق العالمية ، وذلك لعدم
مطابقتها للمعايير الصارمة التي تطبقها كثير من الدول ، والتي تمنع وجود كميات متبقية
من المبيدات في المنتج الزراعي النهائي .
مما لاشك فيه أن لاستعمال المبيدات أعراض جانبية سلبية ، وقد تكون الأضرار
جسيمة ، وخاصة عند استعمال مبيدات خطيرة تصنف ضمن المبيدات المحظورة .
أشهر المبيدات الكيماوية المحظورة :
مبيدات قائمة على مركبات الكلور العضوية :
وأشهرها مبيد يعرف اختصارا بـ " دي دي تي " ، و" أندوسيلفان " ، وهي مركبات
عضوية تستخدم في محاربة الكثير من الحشرات الضارة المنزلية والحقلية ، وقد راج
استخدامها في بدايات القرن العشرين . وبرغم أنه قد تم حظر معظم مركبات هذه
المجموعة منذ ستينيات القرن العشرين ، إلا أنها لا تزال تنتج بكميات كبيرة وتستعمل
بكثرة في العديد من الدول حول العالم . وقد تم حظر استعمال مركبات الكلور العضوية
كمبيدات للضرر البالغ الذي تسببه للجهاز العصبي للإنسان ، حيث تسبب زيادة
حساسيته ، مما يؤدي إلى اضطراب عام في الجسم ، وحدوث تشنجات عصبية عضلية،
وعلى المدى البعيد يمكن أن تؤدي إلى إحداث ضرر دائم في الجهاز العصبي.
مبيدات قائمة على مركبات الفسفور العضوية :
ومن أشهرها "مالاثيون" ، وهي تستخدم كمبيدات للأعشاب وللحشرات الضارة ، ويكثر
استخدامها في المبيدات المخصصة للقضاء على الحشرات المنزلية ، ويؤدي التعرض
لها إلى خلل في الوظائف الحيوية لكثير من أعضاء الجسم ، وذلك بالتأثير على عمل
بعض الإنزيمات المهمة في الجسم . ويمكن أن تتحول الى مركبات أكثر خطورة عند
تحللها إذ قد ينتج عن ذلك مركبات مسرطنة .
مبيدات قائمة على مركبات كبرماتية :
وهي مركبات عضوية شبيه بمركبات الفسفور إلى حد كبير، ولكن تأثيرها يكون بدرجة
أقل وبمعدل ابطأ ، وتستعمل بكثرة كمبيدات للآفات الزراعية وآفات الأعشاب ، ومن
أهم الأمثلة عليها مركب " البروبكسور" .
مركبات البيرثرين :
وهي مشتقة من أصول نباتية وتتميز بسميتها الانتقائية ، لكن عند استعمالها يمكن أن
تتحول إلى مركبات أكثر سمية . وتستعمل بكثرة في محاربة الحشرات المنزلية ، ومن
أشهر الأمثلة عليها مبيد "بريمثرين" ، ويؤدي التعرض لها إلى حدوث تقيؤ وإسهال
مصحوبة بتشنجات عصبية .
خطورة المبيدات الكيماوية :
تكمن خطورة المبيدات الكيماوية في قدرتها على التراكم داخل أنسجة الجسم ، وفي
الخلايا الدهنية تحت الجلد ، وهذا يؤدي إلى زيادة سميتها وضررها على الجسم . ولذا
فإن محاربة انتشار المبيدات المحظورة يجب أن يبدأ بتوعية كافة المتعاملين مع هذه
المبيدات بخطرها ، لأن الضرر الناجم عنها لن يظهر في المدى القريب ، وهو ما يجعل
الإنسان يستمر في استعمالها لعدم قدرته على اكتشاف الضرر البالغ الذي تلحقه أو
ستلحقه بجسمه في المستقبل .
دوليا تم إصدار أول قانون ينظم عمليات المتاجرة بالمبيدات بين الدول ، برعاية من
المنظمة العالمية للزراعة والأغذية الفاو عام 1985 ، وتم تحديثه مرتين عامي
1998 و 2002 وهو قانون يوضح بدقة المعايير التي يتم على أساسها تحديد
مجموعات المبيدات المحظورة ، بالإضافة الى حث الدول الأعضاء في المنظمة على
تطبيق أعلى معايير الرقابة والتدقيق ، على عمليات توزيع المبيدات داخليا أو عبر
الحدود ، كما تم إصدار دستور الأمم المتحدة للأغذية والذي يتضمن معايير صارمة فيما
يتعلق باستخدام المبيدات الحشرية ، كما قامت بعض الدول مثل الولايات المتحدة ودول
الاتحاد الأوروبي بإصدار تشريعات ، تنظم عمليات توزيع واستخدام المبيدات على
أراضيها .
ولكن مع كل تلك الجهود ما زالت مئات آلاف الأطنان من المبيدات المحظورة التي
يزيد عددها عن أربعمئة مركب تنتج وتوزع عابرة الحدود ، ومتسببة في مشكلات
صحية وبيئية لملايين البشر حول العالم ، وهو ما يعني ضرورة أن تتقدم الهيئات الدولية
خطوات إلى الأمام وتأخذ زمام المبادرة ، لتشديد الرقابة على منابع تلك المواد ،
وخاصة أن كثير منها ينتج في دول متقدمة ، وليس في الدول النامية ذات الأنظمة
الرقابية المتساهلة في هذا المجال ، كما يتوجب على كل الدول تشديد العقوبات ، بحق
المخالفين ، واعتبارتجارة المبيدات المحظورة من أخطر الجرائم ، وكل ذلك قد يخفف
من الكميات الهائلة التي ما زالت تغرق أسواق المبيدات في كثير من الدول .
نقلا عن موقع تسعة